لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ.كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ .تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ

هوية أم هويات يهودية





د عبد الوهاب المسيري
مفكر - مؤلف الموسوعة الصهيونية
صحيفة الإتحاد الإماراتية
2\8\2003

في محاولة فرض الواحدية على واقع الجماعات اليهودية يفترض الصهاينة وجود هوية يهودية واحدة، ولكن تفكيك هذا المصطلح وما يرتبط به من مصطلحات يكشف على الفور التحيزات الصهيونية الكامنة التي تتنافى مع الواقع التاري

الشخصية أو الهوية اليهودية
مصطلح الشخصية في اللغة العربية مأخوذ من لفظ شخص ويعني مجموعة الصفات التي تميز هذا الشخص

ويشكل استخدام مصطلحات مثل شخصية يهودية وهوية يهودية تبنياً غير واعٍ للنماذج التفسيرية الاختزالية الصهيونية والمعادية لليهود التي تفترض وجود طبيعة يهودية ثابتة وسمات أساسية للشخصية اليهودية

أما كلمة هوية فهي اسم منقول من المصدر الصناعي هوية المأخوذ من كلمة هو، وتعني مجموعة الصفات الجوهرية والثابتة في الأشياء والأحياء
فهي من منظور المعادين لليهود شخصية متآمرة عدوانية استغلالية ومنحلة، وهي كذلك شخصية تجارية بطبعها،
أما الصهاينة فينسبون إلى هذه الشخصية سمات إيجابية فاليهودي يتسم بالإبداع والمقدرة على الانسلاخ من مجتمع الأغيار، وهو يدافع بشراسة عن نفسه ضد العنف لكنه لا يرتكب العنف أبداً ضد الآخر

ويؤسس الصهاينة نظريتهم في القومية اليهودية والشعب اليهودي انطلاقاً من تأكيد وجود هذه الشخصية اليهودية

لأن النموذج الكامن وراء مقولات مثل الشخصية أو الهوية اليهودية الثابتة الواحدة يتسم بالقصورفأعضاء الجماعات اليهودية ليسوا تجاراً بطبعهم، إذ عمل العبرانيون بالزراعة في فلسطين،

كما كان منهم الجنود المرتزقة في الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية، ومعظمهم الآن من المهنيين في الغرب وهم ليسوا متآمرين بطبعهم بل وسقط منهم ضحايا للتآمر،

لكن هذا لا يمنع وجود متآمرين وتجار بينهم، وهم ليسوا منحلين في كل زمان ومكان إذ كانت هناك أزمنة وأمكنة استمسك فيها أعضاء الجماعات اليهودية بأهداب الفضيلة ولم تعرف بينهم ظواهر مثل ظاهرة الأطفال غير الشرعيين

وهناك خلل يتمثل في الحديث عن اليهود بشكل مجرد، فمن يود أن ينسب العبقرية إلى الهوية أو الشخصية اليهودية سيجد قرائن على ذلك في مكان وزمان معين
ومن يود أن ينسب إليهم التآمر سيجد أيضاً قرائن على ذلك في مكان وزمان آخرين، ثم يتم تعميم الجزء على الكل وهذا ما يقوم به الصهاينة عن وعي أو عن غير وعي حينما يتحدثون عن الشخصية اليهودية أو عن الهوية اليهودية

الهويات اليهودية بوصفها تركيباً جيولوجياً تراكمياً

يمكن القول إن الهويات اليهودية تشكل أيضاً تركيباً جيولوجياً تراكمياً، ولكنه لم يكن ملحوظاً بسبب انفصال أعضاء الجماعات اليهودية ووجودهم في أماكن متفرقة من العالم فيهود اليديشية نتاج مجتمعاتهم وكذا يهود اليمن ويهود فرنسا وهكذا
ومع ذلك كان يشار إليهم جميعاً باسم الشعب اليهودي مع افتراض وجود وحدة ما دون التحقق من صدق هذه المقول

إلا إن حقائق الواقع تثير الشكوك في هذه المقولات وتظهر الخاصية الجيولوجية التراكمية للهويات اليهودية بشكلٍ واضح، كما هو الحال مثلاً في أميركا اللاتينية ومجتمعات وجبال القوقاز
والفكر الصهيوني يصدر عن نموذج اختزالي ينكر واقع الجماعات اليهودية الحضاري الفسيفسائي الجيولوجي التراكمي ويطرح فكرة الهوية اليهودية العالمية الواحدة، وتتم عملية تسمية الواقع وتصنيفه من هذا المنظور،
ومن ثم فإن مصطلحات مثل يهود الدياسبورا ويهود المنفى والشعب اليهودي تفترض جميعها وحدة اليهود وتجانسهم

ولكن حين يصل أصحاب هذه الهويات إلى "إسرائيل" يتضح للجميع أنهم ليسوا مجرد يهود، إذ يصبحون مرة أخرى مصريين ومغاربة وروساً وتتحدد مكانتهم الاجتماعية بحسب ذل

ولهذا ينكر كثير من المغاربة هويتهم العربية ويصرون على أنهم فرنسيون وليسوا يهوداً فحسب! وبالمثل، فإن يهود العالم العربي، الذين تم تهجيرهم باعتبارهم يهوداً بشكل عام، يصبحون مرة أخرى يهوداً شرقيين يقبعون في آخر درجات السلم الاجتماعي الإسرائيلي، كما يصبح يهود روسيا اشكنازاً أو غربيين ويُعطون المنح والقروض وأفخر المنازل ثم يشغلون قمة السلم الاجتماعي،
ومن هنا تظهر الهويات اليهودية المختلفة، وهو ما يؤدي إلى طرح قضية الهوية اليهودية على بساط البحث

ولعل تفجر قضية من هو اليهودي؟ هو تعبير عن أن ما يسمى الهوية اليهودية ليس كلاً يتسم بقدر من التجانس وإنما هي في واقع الأمر تركيب تراكمي من عدة عناصر مستقلة متعايشة جنباً إلى جنب دون أن تمتزج أو حتى تتفاعل

وفي مواجهة نزعة التعميم التي يلجأ إليها الصهاينة والمعادون لليهود، ينبغي التوصل إلى نموذج تفسيري أقل عمومية يمكنه أن يصف المتغيرات التاريخية والثقافية والدينية التي دخلت على هذه الهوية وحولتها إلى هويات مختلفة

ولذلك فمن الأدق استخدام مصطلح الهويات اليهودية (وكذلك مصطلح أعضاء الجماعات اليهودية)،

فهو مصطلح يعبر عن نموذج أكثر تركيبية ومن ثم أكثر تفسيرية لواقع أعضاء الجماعات اليهودية، حيث ينسبهم إلى مجتمعاتهم ويؤكد استقلالهم النسبي عن محيطهم دون أن ينسبهم إلى تاريخ يهودي عالمي أو جوهر ثابت

ومن الضروري أيضاً فهم هذه الهويات ليس من خلال العودة إلى ما يسمى التاريخ اليهودي أو إلى كتب اليهود المقدسة أو شبه المقدسة أو إلى بروتوكولات حكماء صهيون، وإنما بالعودة إلى التشكيلات الحضارية والتاريخية المختلفة التي ينتمي إليها أعضاء الجماعات اليهودية والتي تفاعلوا معها وأثروا فيها وتأثروا بها، وإن كانت درجة تأثرهم تفوق كثيراً درجة تأثيرهم كما هو الحال عادة مع أعضاء الأقليات

ومن ثم يمكن الحديث عن هوية بابلية يهودية وأخرى فارسية يهودية وثالثة أميركية يهودية ورابعة عربية يهودية

وهذا النموذج التفسيري لا يهمل البعد اليهودي في بناء هذه الهويات، فالدين اليهودي (بخاصيته الجيولوجية التراكمية) عنصر أساسي فيها، كما أن الرؤية الدينية بعد حيوي ومهم

ولكن من الضروري عدم النظر إلى هذا العنصر بشكلٍ مجرد، بل رؤيته في تفاعله مع الأبعاد الحضارية الأخرى مع عدم إضفاء أية مركزية تفسيرية عليه. ولهذا لا يدور الحديث عن هوية يهودية عامة مطلقة أو عن غياب أية هوية يهودية، بل عن هويات يهودية متنوعة لكلٍ سياقها التاريخي والحضاري المحدد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق