لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ.كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ .تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ

الحلقة الـ 17 عايزين يحرجوا النبي صلي الله عليه وسلم


وقفنا المرة اللي فاتت عند أحوال اليهود قبل البعثة المحمدية الشريفة واتكلمنا عن الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لليهود في هذه الفترة وهنكمل مباشرة معاكم مشوارنا واليهود ومحمد بن عبد الله

لكن قبل ما اتكلم عن موضوع التجمع اليهودي في عصر البعثة المحمدية وقبل ما اخوض في حكايات اليهود مع النبي الكريم صلي الله عليه وسلم هناك بشارات وانذارات لازم أسردها لأنها جزء لا يتجزَّأ من مسلسل غباء اليهود عبر السنين وهي أيضاَ إمتداد لتاريخ العند وتدليس الحقايق فبرغم هذه الإشارات الموجودة في توراتهم ويعرفها أحبارهم إلا أنهم غضوا الطرف عنها وصمًّوا وعموا وفضلوا الجهل والعصيان -- الله أكبر ماهذا الشعب وما هذه العقلية

في السيرة لابن هشام قال ابن إسحاق :

1- { إنذار اليهود به صلى الله عليه وسلم ولما بعث كفروا به }

قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجال من قومه

قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لنا ، لما كنا نسمع من رجال يهود و كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا ، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم .

فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى ، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبليستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين

2- { حديث سلمة عن اليهودي الذي أنذر بالرسول صلى الله عليه وسلم }

قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ، وكان سلمة من أصحاب بدر ، قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل . قال فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل - قال سلمة وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنا ، علي بردة لي ، مضطجع فيها بفناء أهلي - فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار

قال فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت .

فقالوا له ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا ، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟

قال نعم والذي يحلف به ولود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه بأن ينجو من تلك النار غدا

فقالوا له ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟

قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده إلى مكة واليمن

فقالوا : ومتى تراه ؟

قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا ، فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه

قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيا وحس دا

قال فقلنا له ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟

قال بلى ، ولكن ليس به

3- { حديث صفية رضى الله عنها }

وحدّثت صفية - رضي الله عنها –

فقالت: كنت أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه

قالت: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا

قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغمّ

قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهـو هـو؟

قال: نعم والله!

قال: أتعرفه وتثبته؟

قال: نعم

قال: فما في نفسك منه؟

قال: عداوته والله! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام.

شهِدت اليهود بصدق نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -

قال الله - عز وجل -:

(وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ)

عن أنس - رضي الله عنه - قال:

كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده

فقعد عند رأسه فقال له: أسلم

فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فأسْلَمَ،

فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول:

الحمد لله الذي أنقذه من النار رواه البخاري

فهذا اليهودي أمـر ابنه أن يُطيع أبا القاسم، مما يدلّ على أنه يعلم في قرارة نفسه بصدق نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم

ها هم اليهود يشهدون بنبوة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ومع ذلك جحدوا بها ولذا قال - عليه الصلاة والسلام :

لو آمن بي عشرة من اليهود، لآمن بي اليهود

رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم

لو تابعني عشرة من اليهود، لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

أما رجال الدين واللي كانت مسمياتهم كالآتي

رجال الدين اليهودي إسمهم الأحبار وكلمة حبر عبرية الأصل ومعناها الرفيق

ورجال الدين النصاري اسمهم الرهبان

ورجال الدين العرب اسمهم الكهان

الناس دي كانت عارفة ومتأكدة بمجيئ نبي وظهوره بينهم حتي إنهم كانوا بيتكلموا عنه ويعرفوا بصفاته

أكيد أخي الحبيب هتسألني طيب هما عرفوا إزاي

هاجاوبك و هقولك بالنسبة لأحبار اليهود ورهبان النصاري عرفوا طبعاً عن طريق كتبهم اللي موجود فيها بشارات أنبيائهم عن النبي ووصفه وصفته وزمانه

أما بقي كهان العرب فعرفوا عن طريق الشياطين من الجن اللي كانت بتسترق السمع لأخبار السماء

الغريب بقي مش تهدا قريش وتعترف بمحمد نبياً ورسولا لأ دي كفرت به وبدينه وبربه مش كدة وبس كمان حبوا يحرجوا النبي صلي الله عليه وسلم بالأسئلة

فبعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبرهم بقوله فأنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء

فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالوا لهم إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا

فقالت لهم أحبار يهود سلوه عن ثلاثة نأمركم بهن فان أخبركم بهن فهو نبي مرسل وان لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم

سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فانه قد كان لهم حديث عجب

وسلوه عن رجل طوُّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه

وسلوه عن الروح وما هي

فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل

فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش

فقالا يا معشر قريش قد جئناكم بفصْل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء فإن أخبركم عنها فهو نبي وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم

فجاءوا رسول اللّه فقالوا يا محمد اخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب. وعن رجل كان طوافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها. وأخبرنا عن الروح ماهي فقال لهم رسول اللّه أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن

فأنصرفوا عنه فمكن رسول اللّه خمس عشرة ليلة لا يحدث اللّه إليه لا يحدث إليه وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة

وقالوا وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه

فشق على رسول اللّه تأخير الوحي وما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته اياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه

قال المفسرون إن القوم لما سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن المسائل الثلاثة قال عليه السلام أجيبكم عنها غداً ولم يقل إن شاء اللّه فاحتبس الوحي خمسة عشر يوما ثم نزل قوله تعالى

{وَلاَتَقُولَنَّ لِشيءٍ إِنِّ فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللّه }

والسبب في أنه لا بد من ذكر هذا القول إن شاء اللّه هو أن الإنسان إذا قال سأفعل الفعل الفلاني غداً لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد ولم يبعد أيضا لو بقي حياً أن يعوقه عن ذلك الفعل شيء من العوائق فإذا كان لم يقل إن شاء اللّه صار كاذبا في ذلك الوعد والكذب منفر وذلك لا يليق بالأنبياء عليهم السلام جاء جبريل من اللّه عز وجل بخبر ما سألوه عنه، فقال تعالى في شأن الفتية

{أَم حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عجَبَا }

وقال فيما سألوه من أمر الرجل الطواف

{وَيَسْأَلُنَكَ عَنْ ذِى الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ سَبَباً } إلى آخر القصة

وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح

{وَيَسْأَلُنَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

وقد أيد هذه الرواية الدكتور ولفنسون الأسرائيلي مدرس اللغات السامية بالجامعة المصرية ودار العلوم فقال في رسالته (تاريخ اليهود في بلاد العرب) صفحة 98 ما يأتي:

وينفي بعض المستشرفين صحة هذة القصة الخطيرة دون أن يأتوا بدليل نطمئن اليه والحق أن من العسر إنكار رواية تاريخية كانت سببا في نزول سورة الكهف والأيات الخاصة بالروح وذي القرنين وعندنا دليل يحملنا على الاعتقاد بأن هذة الرواية من المحتمل أن تكون واقعية وهي أن في التلمود قصة مشهورة تشبه قصة أهل الكهف أخذ أحبار اليهود الأسئلة التى وجهوها للرسول بواسطة وفد بني قريش

والحقيقة إن القصة دي(قصة إرسال قريش وفد إلي يهود المدينة للتحري عن صحة أقوال الرسول صلي الله عليه وسلم ) قصة بتأكد طبعاً إن مكة ماكانش فيها يهود بالمرة وإلا ماكانش فيه داعي يروح وفد للمدينة يسأل أحبارهم عن محمد صلي الله عليه وسلم

نيجي بقي للجزء المهم في حلقتنا وهي التجمّع اليهودي في عصر البعثة المحمدية

أأقولك حاجة تعالي نكمل الحلقة الجاية



بقية الموضوع هنا...

الحلقة الـ 16 يهود ماقبل الإسلام ( المشهدالثاني )




وتتضح خريطة التوزيع الاستراتيجي لليهود في شبه الجزيرة على النحو التالي :

1 ـ يثرب (المدينة) سكن اليهود يثرب

وكان يسكن معهم من غير «بني اسرائيل» بطون من العرب ، وظل اليهود أصحاب يثرب حتى جاء (الأوس والخزرج) ، فنزلوها واستغلوا الخلافات التي كانت قد وقعت بين اليهود فتغلّبوا عليهم ، وسيطروا على يثرب وقسموها فيما بينهم فلم يبق لليهود أيّ سلطان عليها

وتمركز (بنو قينقاع) وعددهم حوالي (1000 شخص) في قلب يثرب ،

وتمركز (بنو قريظة) وعددهم حوالي (1500 شخص) في ضواحي يثرب ، باتجاه الجنوب الشرقي ، بمنطقة مهزور على بعد بضعة أميال من يثرب ،

وتمركز (بنو النضير) وعددهم حوالي (1500 شخص ) في ضواحي يثرب ، في اتجاه الغرب ، بمنطقة بُطحان بالعالية على بُعد ميلين أو ثلاثة من يثرب ، وكانت عامرة بالنخيل والزروع

ومن بين اليهود الذين سكنوا يثرب وضواحيها بطون صغيرة أخرى كبني عكرمة وبني ثعلبة ، وبني محمر ، وبني زعورا ، وبني عوف ، وغيرهم ، إلاّ أنّ هذه البطون الصغيرة كانت تابعة في سياستها للبطون الكبيرة ! كـ بني قينقاع والنضير وقريظ

2 ـ خيبر

تمركز (بنو خيبر) وعددهم حوالي (3000 شخص) على بعد مئة ميل شمال المدينة ، وهم أشد اليهود قوة ، وأوسعهم ثراءً لخصوبة أرضهم ، وكثرة مزارعهم وبساتينهم ، وضخامة حصونهم ومتانتها وخيبر موضع غزير المياه ، عرف واشتهر بزراعته ، وبكثرة ما به من نخيل وعند إجلاء اليهود عن خيبر تفرّقوا ، فذهب بعض منهم إلى العراق ، وبعض آخر إلى الشام ، وبعض منهم الى مصر ، وقد بقوا ـ في كلّ هذه المواضع ـ متعصبين لخيبر .

3 ـ فدك وتيماء :

تمركزت فيهما تجمعات صغيرة تقدّر بحوالي (1000) شخص وفدك موضع غلب عليه اليهود . وسكانهُ مثل أغلب يهود الحجاز ، مزارعون عاشوا على الزراعة ، كما اشتغلوا بالتجارة ، وببعض الحرف التي تخصص فيها اليهود مثل : الصياغة والحدادة والنجارة

أما (تيماء) : فهي من المواضع القديمة ، وتعتبر ملتقى طرق هامة يسلكها التجار وقد استبدّ بها اليهود ، فأقاموا بها ، وجعلوها من أهم مستوطناتهم في الحجاز (وقد نعتت تيماء في بعض الأشعار بتيماء اليهود

4 ـ وادي القرى :

وادي القرى من المواضع التي غصّت باليهود ، فكان أكثر أهله منهم ، وقد حفروا به الآبار ، وتحالفوا وعاشوا مع الأعراب يعملون بالزرع

والتوزيع الاستراتيجي لليهود في شبه الجزيرة العربية حقّق لهم الأهداف التالية :


1 ـ السيطرة على شمال الحجاز من المدينة حتى حدود الشام (تقدر المسافة بحوالي
400 كم) ، وينطوي هذا الهدف على السيطرة الاقتصادية ، وامتلاك زمام الثروة ـ بكل مصادرها ـ في هذه المنطقة الغنية بمواردها الطبيعية ، التي عمل اليهود على استغلالها واستثمارها .

2 ـ تأمين التجمعات اليهودية من التهديد ، أو الغارات ، أو الغزو ، فان انتشار التجمعات الفرعية من حول منطقة التجمع الرئيسية في المدينة وخيبر في اتجاه الشمال والشرق والغرب ، يتيح الفرصة للحصول على معلومات مبكرة عن أي تهديد ، أضف الى ذلك ما يتيحه أسلوبهم ـ في بناء مستعمراتهم وتحصينها ، وتحصين منازلها ، وتخزين السلاح والمؤن بها ـ من أسباب الأمن والوقاية والمقدرة الدفاعية

3 ـ تجنب الاحتكاك بقريش التي كانت تمثل أكبر قوة اقتصادية وسياسية وتجارية عربية وذلك بالابتعاد عن مكّة ، وتجنب التمركز فيها ، وخاصة أن بها الكعبة التي يقدّسها العرب ، كأثر من آثار أبيهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هذا فضلا عن أن بيئة مكّة الطبيعية لم تكن تناسب اليهود ، وكان اقتصادها قائماً على الرحلات والتنقل ، واليهود ليسوا من الصنف الذي يجمع الثروة بمثل هذا الطريق الشاق ، ولا ممن يستريحون لأولاد إسماعيل ، والمقدسات التي يقدسها العرب الأميّيون ، والمسلمون فيما بعد

ويمكن القول : إنه لو لم يكن للعرب القرشيين في جنوب الحجاز من المقام الأدبي ، والنفوذ الاقتصادي ، والقدرة العسكرية لكان من الممكن للنفوذ اليهودي أن يمتد ويتسع

4 ـ استغلال ظروف المنطقة ، والصراعات للإثراء وتأمين الاستيطان فقد استغل اليهود ما كان بين الأوس والخزرج من صراعات وحروب وثارات في الجاهلية بما يلي ، على سبيل المثال :

أ ـ إقراض الأموال والتعامل بالربا .

بـ ـ بيع السلاح لكلّ من الطرفين .

جـ ـ العمل على استمرار الصراع بين الأوس والخزرج ، فتنشغل القبيلتان به عن مواجهة اليهود ، وفي هذا تأمين لاستيطانهم في المنطقة ، علاوة على ما فيه من استنزاف لقوى العرب باستمرار ، وقد بلغ مخطط اليهود لتحقيق هذا الهدف حدّ التحالف مع طرفي الصراع ، فكان بنو قينقاع يحالفون الخزرج ، وبنو النضير يحالفون الأوس ، وهذا التحالف لم يحقق لهم ما كانوا يحرصون عليه ، وهو ألاّ يجتمع الأوس والخزرج على اليهود فحسب ، بل حقّق لهم جانباً كبيراً من الأمن، إذ إن كل فريق من الأوس و الخزرج كان حريصاً على حلفائه من اليهود

الأوضاع الاقتصادية لليهود :

طبعاً إحنا كلنا عارفين إن التجارة هي أهم شغلانة عند اليهود وبنعترف إن هما فعلاً شطار ومهرة جداً في الفرع ده ، وحتى صار لبعضهم فيها شهرة كبيرة كـ (أبي رافع) ، و (سلام بن أبي الحقيق) الذي ينعت بتاجر أهل الحجاز ويمكن أن يقال : إن تجارة التمر والشعير والقمح والخمر تكاد تكون وقفاً عليهم في شمال الحجاز كذلك اشتغل اليهود بالزراعة ، التي هي المهنة الرئيسية لسكان القرى منهم ، وعملوا بتربية الماشية والدواجن ، وفي جهات (مقنا) كانت مهنتهم صيد الأسماك ، وأما نساؤهم فقد اشتغلن بنسج الأقمشة ومن الصناعات التي كان يهود الجزيرة العربية يزاولونها ، صياغة (الذهب) ، وقد اشتهر بها بنو قينقاع

وكان لهم أيضاً باع في صناعة السلاح ، حتى أصبح تقليداً خاصاً بهم ، توارثوه منذ أيام داود عليه السلام اللي بيرجع ليه الفضل في صناعة الأسلحة من معدن الحديد

وبالطبع ترتب على سيطرة اليهود على الجوانب الاقتصاديّة في المدينة وضواحيها ، أن نفوذهم المالي قوي وكبر ، وصاروا يتحكّمون في الأسواق تحكّماً فاحشاً ، ويحتكرونها لمصلحتهم ومنفعتهم ، فكرههم السواد الأعظم من الناس ، بسبب أنانيتهم واشتطاطهم في أخذ الربا ، ولأنّ معظم معاملاتهم ـ مع غيرهم ـ تقوم على المراهنات ، وتعاطي الربا واللي ساعدهم علي كدة طبيعة المدينة الزراعية أساساً ، لأن الزراع ـ عادة ـ يحتاجون الى اقتراض الأموال لحين الحصاد

وقد وبخهم القرآن الكريم على أخذهم الربا ، الذي نهاهم الله عن أخذه ، فقال تعالى

(فبظُلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل الله كثيراً * وأخذِهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً )

ويصف الدكتور (جواد علي) ما كان عليه اليهود من ضعف وذلّة ، فيقول : ولكن اليهود ـ مع ما كان لهم من حصون وآطام وقرى عاشوا فيها متكتلين مستقلين ـ لم يتمكنوا من بسط نفوذهم وسلطانهم على الأرض التي أنشأوا مستوطناتهم فيها ، ولم يتمكنوا من إنشاء ممالك وحكومات يحكمها يهود ، بل كانوا مستقلين في حماية سادات القبائل ورؤسائها ، يؤدّون لهم إتاوة في كلّ عام مقابل حمايتهم لهم ، ودفاعهم عنهم ، ومنع الأعراب من التعدّي عليهم ، وقد لجأوا الى عقد المحالفات معهم فكان لكل زعيم يهودي حليف من الأعراب ومن رؤساء العرب

وقد أشار القرآن الكريم الى انضمام بعض اليهود الى الأوس ، وبعضهم إلى الخزرج عند القتال

(وإذ أَخذنا ميثاقكم لا تَسفكون دماءكم ولا تُخرجون أنفسَكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تَقتلون أنفسَكم وتُخرجون فريقاً منكم من ديارهم تَظاهرون عليهم بالإثم والعُدوان وإن يأتوكم أسارى تُفادوهم وهو محرم عليكم إخراجُهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاءُ من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون الى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون
)

فالله تعالى أخذ عهداً موثوقاً على (بني اسرائيل) ألاّ يقتل بعضهم بعضاً ، وألاّ يخرج بعضهم بعضاً من داره ، وقد أقرّوا بذلك ، واعترفوا ، ولكنهم بعد أخذ الميثاق عليهم ، قتل بعضهم بعضاً ، وأخرج بعضهم بعضاً من داره ; وذلك أنهم كانوا إذا حصل قتل بين (الأوس والخزرج) انضمّت طائفة منهم إلى الأوس وطائفة منهم إلى الخزرج ، وقاتلوا معهم . فكان يترتب على ذلك أن يقاتل اليهودُ بعضهم بعضاً ، فاذا وضعت الحرب أوزارها ، بذل اليهود جميعاً أموالهم ، لافتداء أسراهم ، الذين وقعوا في أيدي (الأوس والخزرج) ، فكان العرب يعيّرونهم ويقولون لهم : كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم بأموالكم ؟

فكان اليهود يقولون : قد حرم علينا قتالهم ولكنّا نستحي أن نخذل حلفاءنا ، وقد أُمرنا أن نفتدي أسرانا ، فوبّخهم الله تعالى بقوله

(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى أشد العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون

لذا يتضح أن علاقة اليهود بـ(الأوس والخزرج) كانت خاضعة للمنفعة الشخصية ، والمكاسب المادية ، فهم يعملون على إثارة الحرب بين الفريقين متى وجدوا في إثارتها فائدة لهم ، كما حصل في كثير من الحروب التي انهكت (الأوس والخزرج) ، فكان كلّ همّهم أن تكون لهم السيطرة المالية على المدينة ، وقد استمرت علاقتهم بـ (الأوس والخزرج) تسير على هذا المنوال الى أن هاجر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة


بقية الموضوع هنا...